"السياسة الجزائية في القانون الاساسي عــ58ــدد المؤرخ في 11 أوت 2017
المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة
مداخلة
في ملتقى جهوي الجديد في القانون الاساسي عــ58ــدد المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة"4 افريل 2018 بقابس.
المعهد
الاعلى للقضاء
قيس دالي قاضٍ وباحث دكتوراه في القانون الخاصّ
المقدمة
بدأ الاهتمام بحماية المرأة من مختلف انواع العنف منذ امد وذلك على مستوى النصوص الدولية التي سجلت نزعة نحو التخصص انطلاقا من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 ثم اتفاقية حقوق المرأة 1989 ،وصولا إلى الاعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1993 ،الذي يعرف العنف ضد المرأة بأنه "كل فعل عنيف تدفع به عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة من الناحية الجسمانية أو النفسية أو الجنسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث في الحياة العامة أو الخاصة". وهذا النص يمنع العنف ضد المرأة ولم يعدد أشكال أخرى للتمييز، ويطالب الدول باتخاذ كافة التدابير الكفيلة بالقضاء عليه في جميع المجتمعات بغض النظر عن أي إعتبارات .[1] اما على المستوى الوطني فقد صادقت الدولة التونسية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة منذ 1985 لكنها لم تسحب تحفظاتها عليها إلا بتاريخ 24 أكتوبر 2011 بمقتضى المرسوم عدد 103 المتعلق بالترخيص في المصادقة على سحب بيان وتحفظات صادرة عن الحكومة التونسية وملحقة بالقانون عدد 68 لسنة 1985 المؤرخ في 12 جويلية 1985 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. بما يستوجب تطوير التشريع الوطني لملائمته مع للالتزامات الدولية والإقليمية . وإذ تعد هذه الإتفاقية المرجعية لتقديم معالجة كونية شاملة لمكافحة التمييز المسلط على المرأة، فقد جاء بتوصيات اللجنة المنبثقة عنها، أنه يتعين على كل دولة طرفا أن تلتزم بالوفاء بتعهداتها من خلال الإرتقاء بمنظومتها الداخلية الوطنية إلى مستوى النصوص التشريعية التي تستوفي المعايير الدولية في مكافحة هذه الظاهرة. ولأن اعتماد المواثيق والاعلانات العامة لحقوق الإنسان لم تكن كافية للتصدي للعنف الموجه إلى المرأة بوصفها إنسانا، فقد اهتم المشرع الوطني بحماية المرأة بالفصل 46 من دستور 26 جانفي 2014 الذي نص على انه :"تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها. تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات. تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة. تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة." ثم بمقتضى القانون الاساسي عــ58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت للسنة 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. وقد نص بفصله الاول على انه:" يهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم."
والقانون الاساسي من حيث سلم الترتيب الهرمي يأتي في المرتبة الثالثة فنجد الدستور في المرتبة الاولى ثم الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في المرتبة الثانية يليها القوانين الاساسية ثم القوانين العادية.
القوانين الأساسيّة: Les lois organiques رغم أن الدستور يحدّد أهمّ القواعد المنظّمة للسلطة السياسّة في الدولة، إلا أنه توجد مواد متعلّقة بتنظيم السلط العموميّة وبحقوق الإنسان يوكلها الدستور نفسه إلى القوانين الأساسيّة. ويطلق على هذه القوانين نعت "الأساسيّة" تمييزا لها عن القوانين العاديّة. فلئن كانت القوانين الأساسيّة على غرار القوانين العاديّة تسنّها السلطة التشريعيّة (البرلمان) إلا أنها تتميّز عنها على مستويين: المستوى الأوّل هو مستوى المضمون أو المجال إذ أن القوانين الأساسيّة تتصل بمسائل هامّة تتعلّق إما بتنظيم مسائل معيّنة متّصلة بشؤون الحكم، أو بمجال حقوق الإنسان.[2]
وبين الفصل الثالث من القانون الاساسي عــ58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت للسنة 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة
- المرأة - femme بكونها تشمل سائر الإناث بمختلف أعمارهن.
- الضحيّة[3] : La victime المرأة والأطفال المقيمون معها الذين أصيبوا بضرر بدني أو معنوي أو عقلي أو نفسي أو اقتصادي، أو تمّ حرمانهم من التمتع بحرياتهم وحقوقهم، عن طريق أفعال أو أقوال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجاري بها العمل.
- الطفل - enfant بكونه كل شخص ذكرا كان أو أنثى على معنى مجلة حماية الطفل.
- العنف ضد المرأة : violence à l’égard des femmes كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
- العنف ضد المرأة : violence à l’égard des femmes كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
اما العنف المسلط على المرأة طبقا لهذا القانون فهو "العنف المادي، العنف المعنوي، العنف الجنسي العنف السياسي، العنف الاقتصادي."
- العنف المادي : violence physique كل فعل ضار أو مسيء يمسّ بالحرمة أو السلامة الجسدية للمرأة أو بحياتها كالضرب والركل والجرح والدفع والتشويه والحرق وبتر أجزاء من الجسم والاحتجاز والتعذيب والقتل.
- العنف المعنوي : violence morale كل اعتداء لفظي كالقذف والشتم أو الإكراه أو التهديد أو الإهمال أو الحرمان من الحقوق والحريات والإهانة والتجاهل والسخرية والتحقير وغيرها من الأفعال أو الأقوال التي تنال من الكرامة الإنسانية للمرأة أو ترمي إلى إخافتها أوالتحكم فيها.
- العنف الجنسي : violence sexuelle كل فعل أو قول يهدف مرتكبه إلى إخضاع المرأة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية باستخدام الإكراه أو التغرير أو الضغط وغيرها من وسائل إضعاف وسلب الإرادة وذلك بغض النظر عن علاقة الفاعل بالضحية.
-العنف السياسي : violence politique هو كل فعل أو ممارسة يهدف مرتكبه لحرمان المرأة أو إعاقتها عن ممارسة أيّ نشاط سياسي أو حزبي أو جمعياتي أو أي حق أو حرية من الحقوق والحريات الأساسية ويكون قائما على أساس التمييز بين الجنسين.
- العنف الاقتصادي : - violence économique كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة أو حرمانها من الموارد الاقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأموال أو الأجر أو المداخيل، والتحكم في الأجور أو المداخيل، وحضر العمل أو الإجبار عليه.
لقد ظهر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في البلاد التونسية لأول مرة سنة 1861 اثر صدور مجموعة من القوانين المدنية والجنائية فقد اقتضى الفصل 235 من هذه المجموعة أن " كل جناية لم يذكر نصها أو حكمها ولا ما يقاس عليها قياسا جليا في هذا القانون بنص صريح، واشتبه على اهل المجلس ترجيح الفهم، توجه الى المجلس الاكبر ليقع فيه تعيين حكم ويزاد ذلك الحكم في القانون، ولا يحكم على الجاني بالحكم المذكور، وإنما يحكم عليه باخف منه ويصير حكما لمن بعده. ولما صدرت المجلة الجنائية سنة 1913 قررت المبدأ نفسه بفصلها الاول الذي جاء فيه:" لا يعاقب احد الا بمقتضى نص من قانون سابق الوضع. ولم يغفل كذلك الدستور الصادر في غرة جوان 1959 عن اقرار هذا المبدأ بفصله الثالث عشر الذي نص على انه:" ان العقوبة شخصية ولا تكون الا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع. كما نص الفصل 28 من دستور26 جانفي 2014 على أن :" العقوبة شخصية، ولا تكون إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع، عدى حالة النصّ الأرفق بالمتّهم."
ويتلخص مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في قاعدتين اساسيتين؛
الأولى : لا جريمة بدون نص Nullum crimen sine lege
الثانية: لا عقاب بدون نص Nullum poe na sine lege
ويستفاد من القاعدة الأولى أنه لا يمكن للقاضي الجزائي ان يعاقب شخصا من اجل فعلة لم تكن زمن وقوعها داخلة في عداد القانون الجنائي اذ ليس في وسع الانسان أن يعرف سلفا الافعال التي يحظر القانون اتيانها.
ويستفاد من القاعدة الثانية أنه لا يسمح للقاضي الجزائي أبدا ان يوقع عقابا لم يسطره القانون، أو أن يزيد في مقدار عقاب تعرض اليه صراحة القانون وحدد اقصاه كما لا يمكن ان يسلط عقابا بطريق القياس ولو كان ذلك لمصلحة القانون.[4]
الجريمة: لقد تعرضت بعض التشريعات الجنائية الاجنبية الى تعريف الجريمة لكن المشرّع التونسي لم يعرفها ولعله قد سلك مسلكا سليما حينما أهمل تعريف الجريمة ذلك ان سياسة التجريم في سائر التشريعات الحديثة ترتكز على مبدأ اساسي وهو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. ولما كان هذا المبدأ يستلزم أن يحدد المشرّع الافعال التي يمكن ان تعد من قبيل الجرائم، وان يضبط العناصر والأركان الخاصة بكل جريمة. فليس ثمة ما يدعو لتعريف الجريمة متى حصل كل ذلك. وفضلا على ذلك فان سياسة التجريم تقتضي اليوم بأن لا يتقيد المشرّع بتعريف عام للجريمة قد يصبح على مر الايام وكرّ السنين حجرة عثرة على سبيل تطور التشريع الجزائي تطورا يساير ظروف المجتمع وحاجاته.[5]
ومن الناحية الفقهية فقد اتفق اغلب الفقهاء على تعريف عام للجريمة يحتوي على اركانها العامة وإن بدا ثمة خلاف بينهم في هذا التعريف فان ذلك الخلاف ابعد من ان يكون جوهريا وإنما هو شكلي يمس بالصيغة فقط. فقد عرف الاستاذ الايطالي فرنسوا كررا الجريمة بانها" العمل الخارجي الذي يأتيه الإنسان مخالفا به قانون ينص على عقابه، والذي لا يبرره أداء لواجب أو استعمال لحق. وعرفها الاستاذ قارو بانها:" فعل، اي حركة من حركات الجسم يقصد بها احداث تغيير في العالم الخارجي.[6]
اما المقصود بالعقوبة فهي الجزاء الذي يقرره القانون الجنائي لمصلحة لمجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة لمنع ارتكاب الجريمة مرة أخرى من قبل المجرم نفسه أو من قبل بقية المواطنين. فالعقوبة من حيث هذا الجزاء تنطوي على الايلام الذي يلحق بالمجرم عن طريق الانقاص من حقوقه أو مصالحه لمخالفته أمر القانون. والعقوبة لا توقع إلا على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة، إذ لا جريمة بدون عقوبة، فهي تأخذ وضعها القانوني من كونها المقابل للواقعة التى جرمها القانون.[7]
وغاية العقوبة دائما هي منع ارتكاب الجريمة من قبل نفس المجرم أو من غيره وهي غاية تقررت لمصلحة المجتمع وبالتالي فإن العقوبة لا تتقرر إلا من خلال دعوى جنائية تحرك باسم المجتمع والحكم الجنائي هو الفاصل في هذه الدّعوى.[8]
يتضح مما تقدم أن العقوبة تقوم على أربعة عناصر هي:الايلام والجريمة والمجرم والحكم الجنائي[9]. وللعقوبة ثلاثة خصائص:
أولا قانونية العقوبة: من القواعد الأساسية في التشريعات الجنائية الحديثة هي قاعدة قانونية العقوبة بمعنى أن تكون العقوبة مقررة بنص في القانون من حيث نوعها وقدرها، فإذا لم ينص القانون على عقوبة الفعل الذي ينهي عنه أو الامتناع عما أمر به، فيجب أن يحكم بالبراءة، فالمشرّع وحده هو الذي ينص على العقوبات ويحددها ويترتب على هذا المبدأ أن القاضي لا يستطيع أن يطبق عقوبة لم يرد نص بشأنها.[10]
ثانيا:المساواة في العقوبة :يقصد بها أن تكون العقوبة واحدة لجميع الناس بغير تفريق بينهم[11] تبعا لمكانتهم في المجتمع. فالجميع أمام العقوبة سوا ولا تعني المساواة هنا أن يوقع على من يرتكب جريمة من نوع معين عقوبة بعينها، لا تختلف عن نوعها ولا في مقدارها وإنما المقصود سريان النصّ القانوني في حق كل الأفراد وبعد هذا يترك للقاضي في حدود سلطته التقديرية تقدير العقوبة تبعا لظروف كل جريمة وحالة كل متهم ودرجة احتماله العقوبة، وأثرها في نفسه وهذا ما يسمى بمبدأ "تفريد العقوبة" أي تكون العقوبة مناسبة لكل جريمة وكل مجرم وفقا لظروفه[12].
ثالثا شخصية العقوبة: ويقصد بها أن العقوبة لا تصيب إلا شخص من ارتكب الجريمة أو ساهم فيها سواء في حياته أو في حريته أو ماله. فهي تلحق به وحده ولا توقع على غيره ما دام لم تسند له يد في ارتكاب الجريمة سواء بصفته فاعلا أو شريكا.بشرط أن يقع التنصيص عليها بقانون سابق الوضع، عدى حالة النصّ الارفق بالمتهم[13]".
اهمية التجريم والعقاب للعنف المسلط على الضحية
اتضح من خلال المناقشات صلب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية عندما عُرض عليها مشروع القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة بتاريخ 2 اوت 2016 [انه من المتفق عليه إدانة مرتكبي العنف وعدم الاعتراف بحجة رضا الضحية أي أنه لا يعتد بموافقتها بما وقع عليها من عنف لان المسؤولية الجنائية تقوم بقيام الفعل غير المشروع. وأقر أغلب الاعضاء بأن اعتماد الجانب الزجري هو خيار جائز من أجل إدخال التطور على المجتمع إذ نجد البعد التربوي للقانون مقترنا بالنص العقابي حاضرا في التجربة التونسية. في حين اعتبر البعض الآخر من الأعضاء أن تصور العقوبات الواردة ضمن هذا المشروع من شأنه مخالفة السياسة الجزائية للدولة التي تسعى لتقليص عقوبة السجن، والحاجة لتفعيل العقوبات البديلة. وطرح إشكال بخصوص تناسق المنظومة الجزائية، خاصة وأن الحكومة بصدد مراجعتها جوهريا وأن لجنة تهتم بمراجعة المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية تكونت للغرض. وتبعا للنقاشات الأولية تبين أن التوجه العام نحو مساندة الصبغة الردعية للمشروع.[14]]
الاهمية العملية للتجديد في تجريم والعقاب و العقاب المسلط على الضحية
تكمن اهمية النزعة التجريم والعقاب في هذا القانون بالحاجة لتدارك الفراغ التشريعي في بعض المسائل التي لم يسبق تقنينها أو أن مضامينها أصبحت لا تتلائم مع تطور الواقع. فكان هذا القانون مناسبة للتطرق لها. فبعض أحكامه تكشف عن الرغبة في تدارك نقائص النصوص الحالية بما يبرر إدخال الأحكام الجديدة ضمانا لعدم الإفلات من العقاب. حيث تم تجريم أفعال لم تكن مجرمة في المجلة الجزائية على غرار جريمة مضايقة امرأة في مكان عمومي وجريمة تشغيل الاطفال كعملة منازل وجريمة التمييز في الأجر على أساس الجنس، وجريمة اعتياد سوء معاملة القرين، وجريمة بتر أو تشويه العضو التناسلي للمرأة، إضافة إلى تجريم العنف المعنوي، والتعرض الصريح و لأول مرة لسفاح القربى او ما اصطلح على تسميته بزنا المحارم نظرا لدور مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام خاصة بعض البرامج التلفزية التي تعتمد الشهادات الحية في تسليط الضوء على الجرائم الواقعة على الاطفال والقصر من قبل الأولياء والاقارب، بما يرسخ الوعي بخطورة العنف الجنسي في الوسط العائلي ويثبت أن هذه الأفعال موجودة لكن القانون الحالي لا يعاقب عليها، عملا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
لقد جاء القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة للموازنة بين ضرورتين وهما الايفاء بحقوق الضحية من ناحية ومنع افلات الجناة من العقاب من ناحية أخرى.
فما هي السياسة الجزائية التي اتبعها المشرع التونسي عند سنه القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة؟
وضع نظام موسع للتجريم باستيعاب جرائم لم تكن مجرمة وتطوير مفاهيم بعض الجرائم لتواكب تطور المجتمع يقابل هذا التجريم نظام مؤاخذة مشدد غايته
إن المتأمل في القانون الجديد المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة يلاحظ أن المشرّع اتجه نحو التوسيع في نطاق التجريم لمواجهة العنف المسلط على الضحية وذلك بتنقيح النصوص الواردة بالمجلة الجزائية اضافة الى وضع جرائم جديدة كانت غائبة عن التشريع الجزائي الوطني وإلغاء نصوص وإقحام احكامها في فصول اخرى[15] ( الجزء الأول) يقابل هذا التجريم نظام مؤاخذة مشدد لمواجهة العنف المسلط على الضحية و منع الافلات من العقاب ( الجزء الثاني).
الجزء الاول: نظام تجريم موسع في مواجهة العنف المسلط على الضحية
لقد سلك المشرّع التونسي درب التوسيع في التجريم اما من خلال المحافظة على الجرائم التقليدية وإدخال تعديلات عليها ليجعلها تستوعب افعال لم تكن مجرمة من سابق وطور في مفهومها ( الفصل الاول) و من خلال تجريم افعال لم تكن مجرمة اصلا وهو ما يعبر عنها بالجرائم المستحدثة ( الفصل الثاني).
الفصل الأول: الجرائم التقليدية
من بين الجرائم التقليدية الواردة بالمجلة الجزائية والتي قام المشرّع بتطوير مفهومها وجعلها تستوعب افعال لم تكن مجرمة من سابق نجد جريمة التحرش الجنسي (الفقرة الاولى ) وجريمة الاغتصاب( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:جريمة التحرش الجنسي
لقد نص الفصل 226 ثالثا[16] من المجلة الجزائية قبل تنقيحه بمقتضى القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة على انه:" ويعدّ تحرّشا جنسيا كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدّي لتلك الرغبات" ونص الفصل 226 ثالثا (جديد) : بكونه ويعتبر تحرشا جنسيا كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنها إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط."
إن المتأمل في موطن التجديد بخصوص هذه الجريمة يجد ان المشرّع حذف عبارة كل امعان في مضايقة الغير بتكرار و استعاض عنها بعبارة كل اعتداء على الغير بدون ان ينص على عبارة تكرار بما يعني ان الجريمة تكون متحققة في جانب الجاني بمجرد اعتداءه على الغير بالافعال والاشارات والاقوال وبدون اشتراط تكرار تلك الافعال والاقوال والاشارات. وما يلاحظ ايضا ان المشرع ربط تلك الافعال والاقوال والاشارات في النص الجديد بإيحاءات جنسية. كما استعاض عن عبارة ممارسة ضغوط عليه من شانها اضعاف ارادته بــ ممارسة ضغط خطير عليه من شانها اضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوطات. ومن هنا فان المشرع ربط تحقق الجريمة متى كانت تلك الافعال والاشارات والاقوال من شانها اضعاف قدرات الضحية النفسية أو البدنية ولم تعد مرتبطة باضعاف ارادة الضحية فحسب وبذلك يكون فقد اعطى مفهوم جديد لمركز الضحية التي تتعرض لمثل هذه الجريمة.[17]
الفقرة الثانية: جريمة الاغتصاب
نص الفصل 227 قديم من المجلة الجزائية قبل ان يتم تنقيحه بمقتضى القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة على انه ؛
. يعاقب بالإعدام
1 ) كل من واقع أنثى غصبا باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به،
2) كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال الوسائل المذكورة.
ويعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى بدون رضاها في غير الصور المتقدّمة. ويعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن المجني عليها دون الثلاثة عشر عاما كاملة.
إن المتأمل في هذا النص يتبين له أن المشرع لم يعطي مفهوم للاغتصاب بقدر ما بين الحالات التي يشدد فيها العقاب على مرتكب الاغتصاب الواقع على أنثى وحدد السن الذي يكون فيه رضا المجني عليها مفقودا كما انه اقتصر في تجريم الاغتصاب على الانثى دون الذكر. وهي تعتبر من النقائص التي جعلت المشرّع يتفطن لها ويعيد صياغة النصّ من جديد تماشيا مع تطور الجريمة في المجتمع التونسي وهو ما جاد به علينا صلب الفصل 227 جديد الذي بين فيه المشرّع مفهوم الاغتصاب بكونه : "يعد اغتصابا كل فعل يؤدي إلى إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته والوسيلة المستعملة ضد أنثى أو ذكر بدون رضاه. ويعتبر الرضا مفقودا اذا كان سن الضحية دون الـسادسة عشر عاما كاملة. من خلال هذا المفهوم الجديد يتبين بوضوح ان المشرّع التونسي بمقتضى القانون الجديد قد احدث ثورة تشريعية على مستوى جريمة الاغتصاب ويظهر ذلك من خلال؛
اولا: جريمة الاغتصاب لم تعد مرتبطة بالأنثى فقط بل ان المشرع وسع في نطاق الضحية بالتنصيص على عبارتي ذكر او انثى.
ثانيا: رفع في السن الذي يكون فيه رضا المجني عليها منعدما متى كان سنها دون الثلاثة عشرة كاملة بان اصبح رضا الضحية ذكر أو انثى منعدما متى كان سنها دون السادسة عشر عاما كاملا.
ثالثا: حذف عبارة المجني عليها وأدرج عبارة الضحية والتي تعني حسب الفصل الثالث من القانون الجديد فقرة 12: الضحية المرأة والأطفال المقيمين معها.
رابعا: حذف عبارة مواقعة واستبدلها بعبارة اغتصاب وهو امر منطقي طالما انه طور في مفهوم الجريمة وجعل كل اعتداء على ذكر بدون رضاه اغتصابا ولم يعد مقتصرا على الانثى.
خامسا حذف عبارة مواقعة واستبدلها بعبارة ايلاج جنسي وجرم فعل الايلاج الجنسي مهما كانت طبيعته ومهما كانت الوسيلة التي استعملها الجاني في ذلك وهو ما يستشف منه ان جريمة الاغتصاب لم تعد مقتصرة على الجاني اذا كان ذكرا فقط بل انه اذا ارتكب هذا الفعل انثى فان النص الجديد ينطبق عليها وتعاقب من اجل ذلك.
سادسا: هذا الفصل لم يأتي لحماية الضحية المرأة واطفالها ذكورا وإناثا فقط بل جاء ليحمي الذكر ايضا مهما كان سنه ولو كانت الافعال المرتكبة عليه من طرف انثى تكون متحملة لمسؤولية افعالها جزائيا. وبذلك فان جريمة الاغتصاب في مفهومها الجديد لم تعد مقتصرة على الانثى فقط بل على الذكر ايضا مهما كان سنه ومدى ارتبط بانعدام الرضا وهو ما نص عليه المشرع بكونه يعد اغتصابا كل فعل يؤدي إلى إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته والوسيلة المستعملة ضد أنثى أو ذكر بدون رضاه.
الفصل الثاني: الجرائم المستحدثة
احدث المشرّع التونسي بمقتضى القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة جرائم جديدة لم يكن منصوص عليها من ذي قبل في المجلة الجزائية أو في نصوص خاصة وذلك بتنقيح بعض فصول المجلة الجزائية و بوضع جرائم جديدة في القانون الجديد تجريم موسع ذو الصلة بحماية الضحية (الفقرة الثانية) تجريم موسع ذو الصلة بتدابير الحماية ( الفقرة الاولى).
الفقرة الاولى : تجريم موسع ذو الصلة بحماية الضحية
إن المتأمل في عنونة القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة يلاحظ انه يعنى بالمرأة فحسب لكن بالتعمق في نصوصه او في الفصول الجديدة للمجلة الجزائية يتبين وأنها جاءت لحماية الاطفال المقيمون معها وعبر عنها بعبارة الضحية والتي تعني حسب هذا القانون" المرأة والأطفال المقيمون معها الذين أصيبوا بضرر بدني أو معنوي أو عقلي أو نفسي أو اقتصادي، أو تمّ حرمانهم من التمتع بحرياتهم وحقوقهم، عن طريق أفعال أو أقوال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجاري بها العمل." وهي عبارة جديدة لم يستعملها المشرّع من قبل في المجلة الجزائية أو في مجلّة الإجراءات الجزائية وبناءا عليه سنجري بحثا دقيقا في التجريم ذو الصلة بحماية المرأة (أ) ودراسة مستفيضة للتجريم ذو الصلة بحماية الاطفال المقيمين معها( ب) و تجريم الضغط والإكراه المسلط على الضحية للتنازل على حقوقها(ج).
أ) تجريم موسع ذو الصلة بحماية المرأة
توجد ستة جرائم يمكن ان ترتكب ضد المرأة لذلك سنتولى تقسيمها الى جرائم التمييز ضد المرأة (أ) وجرائم الاعتداء عليها(ب).
اولا) جرائم التمييز ضد المرأة
في جرام التمييز ضد المرأة نجد التمييز في الاجر على اساس الجنس( 1) وجريمة التمييز في العمل(2).
1- جريمة التمييز في الاجر على اساس الجنس جنحة
لقد خلا التشريع الجزائي التونسي من وجود نص قانون يجرم التمييز في الأجر على اساس الجنس وكان لزاما على المشرّع أن يتدخل ويضع نص قانوني يجرم هذا الفعل وقد انتشرت ظاهرة التمييز على اساس الاجر بين الجنسين في الاوساط الريفية الفقيرة التي تكون فيها المرأة ملزمة بالعمل مهما كان الاجر لسد رمق العيش وتوفير حاجيتها وحاجيات عائلتها من مأكل وملبس. ومن هنا فقد تدخل المشرّع بمقتضى القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة و نص بالفصل الاول منه على أنه: يهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم.
لقد تم التنصيص في هذا الفصل على وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على اشكال العنف ضد المرأة القائم على اساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة وقد دعم المشرّع القضاء على التمييز بين الجنسين من خلال حظر التمييز في الاجر على اساس الجنس بـ الفصل 19 من القانون الجديد الذي جرم وعاقب مرتكب العنف أو التمييز الاقتصادي بسبب الجنس إذا ترتب عن فعله.
حرمان المرأة من مواردها الاقتصادية أو التحكم فيها،
التمييز في الأجر عن عمل متساوي القيمة،
التمييز في المسار المهني بما في ذلك الترقية والتدرج في الوظائف.
ويعد النصّ الجديد مكسب لفائدة المرأة وخاصة الريفية التي تشتغل في ظروف صعبة.
وتجدر الإشارة الى ان محاولة اتيان هذه الجريمة مجرم ومعاقب عليه حسب احكام الفصل 19 المشار اليه.
2- جريمة التمييز في العمل
لقد خلا القانون التونسي قبل دخول القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيز التنفيذ من وجود نص قانون يجرم التمييز ضد المرأة بخصوص حقها في الحصول على عمل وبمقتضى القانون الجديد فقد جرم المشرّع بالفصل 21 كل فعل عن قصد كان الغرض منه ارتكاب التميز إذا ترتب عليه
ـ حرمان أو تقييد تمتع الضحية بحقوقها أو الحصول على منفعة أو خدمة.
ـ حرمان أو تقييد تمتع الضحية بحقوقها أو الحصول على منفعة أو خدمة.
ـ منع الضحية من ممارسة نشاطها بصورة عادية.
ـ رفض تشغيل الضحية أو فصلها عن العمل أو معاقبتها.
وبهذا النصّ يكون المشرّع قد قطع مع الماضي وجرم كل فعل من شأنه أن ينال من حق المرأة الضحية في الحصول على عمل والذي يكون مبناه التمييز في حصولها على عمل أو ممارسة نشاطها بصورة عادية.
وما يمكن ملاحظته أن هذه الجريمة هي جنحة قصدية فقد اشترط المشرّع تعمد الجاني ارتكاب التمييز ويبقى الاثبات محمول على الضحية ويحكم القاضي حسب وجدانه الخالص وما يتوفر له من قرائن بالملف.
ثانيا- جرائم الاعتداء على المرأة
من بين جرائم الاعتداء التي يمكن أن ترتكب على المرأة نجد جريمة مضايقة المرأة في مكان عمومي(1) العنف السياسي (2) و جريمة بتر أو تشويه العضو التناسلي للمرأة(3) وجريمة اعتياد سوء المعاملة(4) و الاعتداء المكرر (5).
1- جريمة مضايقة المرأة في مكان عمومي
نظرا لما تتعرض له المرأة يوميا للمضايقات في الأماكن العمومية التي يرتادها عامة الناس كالمنتزهات وشواطئ البحر والطرقات العامة ونظرا لغياب نص يجرم هذه الافعال سواء في المجلة الجزائية أو في نصوص خاصة فقد تدخل المشرّع بمقتضى القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وجرم كل مضايقة لامرأة بالأماكن العمومية فقد نص الفصل 17 منه: "على أنه يعاقب بخطية من خمسة مائة دينار إلى ألف دينار كل من يعمد إلى مضايقة امرأة في فضاء عمومي، بكل فعل أو قول أو إشارة من شانها أن تنال من كرامتها أو اعتبارها أو تخدش حياءها.
ويمكن ابداء اربعة ملاحظات حول جريمة مضايقة المرأة في مكان عمومي
الملاحظة الأولى: إن المتأمل في هذا النصّ يجد أن المشرع جعل من جريمة مضايقة المرأة في الاماكن العمومية جنحة قصدية يشترط فيها ركن القصد أي العلم بان ذلك الفعل مجرما ومحظورا قانونا والنية أي اتجاه ارادة الجاني الى اتيان ذلك الفعل بالرغم من علمه المسبق انه معاقب عليه قانونا. ووسع في قاعدة التجريم سواء ما يصدر عن الجاني من افعال او اقوال او اشارات او ما يحدث للمرأة من جراء تلك المضايقات النيل من كرامتها او اعتبارها أو خدش حياءها.
الملاحظة الثانية: بخصوص هذه الجريمة بكونها تكون ثابتة مهما كان جنس الجاني وذلك من خلال تنصيصه على عبارة كل من يعمد إلى مضايقة امرأة في فضاء عمومي وبالتالي فقد وسع في قائمة الاشخاص المشمولين بهذه الجريمة سواء كان الجاني ذكر أو انثى.
الملاحظة الثالثة: المرأة حسب القانون الجديد تشمل سائر الاناث بمختلف اعمارهن ومن هنا فان كل مضايقة لطفلة يعد جريمة على معنى هذا النصّ ويوجب المؤاخذة الجزائية المنصوص عليها بهذا الفصل وهو ما نستنج منه ان المشرع وسع في قاعدة الجناة المخاطبين بالنصّ الجزائي كما وسع في قائمة الاشخاص المعرضين للمضايقات.
الملاحظة الرابعة: إن المشرع عندما وضع هذا القانون كان غايته منع العنف والتمييز المسلط على المرأة حسب ما يستفاد من الفصل الاول من هذا القانون الذي نص على أنه: "يهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم. إلا أن المتأمل في توجه المشرّع من خلال تجريم مضايقة المرأة في مكان عمومي يلاحظ أنه بالرغم من أنه سعى الى القضاء على التمييز بين الجنسين حسب ما جاء بالفصل المشار اليه انفا إلا انه وقع في التمييز بين الجنسين ويظهر ذلك من خلال تجريم مضايقة المرأة في مكان عمومي فقط ولم يجرم مضايقة الرجل الذكر من طرف المرأة ولم يتفطن مشرعنا الى أن الرجل ايضا يتعرض يوميا للمضايقات في الاماكن العمومية من طرف الجنسين ذكورا واناثا وكان عليه أن يجرم أي فعل يضايق الرجل في الاماكن العمومية من طرف أي كان حتى يقضي على التمييز القانوني بين الجنسين وبين نفس المواطنين الذين يخضعون لنفس القانون و لهم نفس الحقوق و يخضعون لنفس الواجبات حسب ما هو منصوص عليه بالدستور.
وقد يرى البعض انه لا شيء يلزم المشرّع في تجريم مضايقة الرجل من قبل المرأة بالأماكن العمومية بمقولة أن هذا القانون جاء صريحا في عنوانه لحماية المرأة فقط وان هذا النص خاص. يمكن الاجابة على ذلك بأن المشرّع عندما وضع هذا القانون عدل والغى نصوص قانونية منصوص عليها بالمجلة الجزائية واستفادت منها المرأة والرجل على حد السواء مثل جريمة الاغتصاب المنصوص عليها بالفصل227 جديد التي توسع فيها وأصبحت تشمل اغتصاب الرجل والتي نص فيها على انه : " يعد اغتصابا كل فعل يؤدي إلى إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته والوسيلة المستعملة ضد أنثى أو ذكر بدون رضاه."
2- العنف السياسي
نظرا لما شهدته بلادنا بعد الثورة من انفتاح المرأة على الميدان السياسي ومشاركتها الفاعلة في السياسة في الانتخابات الرئاسية والبلدية وترؤسها لقوائم انتخابية ولم يعد هذا الميدان حكرا على الرجال أو مقتصرا فقط على فئة معينة دون غيرها.
ولا يخفى على احد أن المجال السياسي في بلادنا لا يخلو من نزاعات تصل الى ممارسة العنف سواء كان على الرجال أو على النساء وأمام تنامي ضاهرة العنف السياسي تدخل المشرّع بمقتضى القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وجرم الاعتداء بالعنف السياسي بالفصل 18 الذي نص على انه "يعاقب كل مرتكب للعنف السياسي..." والمتأمل في فحوى هذا النص يلاحظ أن عباراته جاءت مطلقة يستفيد منها الكافة سواء كانوا رجال أو نساء إلا انه بالعودة الى الفصل الثالث فقرة سابعة من نفس القانون يجد أن المشرّع يعطي تعريفا للعنف السياسي وخصص به العنف المسلط على المرأة كل فعل أو ممارسة يهدف مرتكبه لحرمان المرأة أو إعاقتها عن ممارسة أيّ نشاط سياسي أو حزبي أو جمعياتي أو أي حق أو حرية من الحقوق والحريات الأساسية ويكون قائما على أساس التمييز بين الجنسين. وجعل من الاعتداء بالعنف السياسي على المرأة جنحة ولم يشترط فيها القصد.
3- جريمة بتر أو تشويه العضو التناسلي للمرأة
لقد أضاف المشرّع بمقتضى القانون الجديد جريمة بتر أو تشويه العضو التناسلي للمرأة ا بإضافة (فقرة ثالثة) للفصل 221 الذي جاء فيها : "ويسلط نفس العقاب على مرتكب الاعتداء إذا نتج عنه تشويه أو بتر جزئي أو كلي للعضو التناسلي للمرأة. هذا وقد اقتصر المشرّع في النصّ القديم على تجريم الاعتداء بما يصير الانسان خصيا او مجبوبا. وبذلك يكون المشرع بهذا التنقيح قد جعل من جريمة بتر أوتشويه العضو التناسلي للمرأة جناية تستوجب نفس العقاب المقرر لمرتكب الفعل على انسان بما يصيره خصيا أو مجبوبا. و تعود اسباب هذا التجريم الجديد الى ما عرف بظاهرة ختان البنات في السنوات الاخيرة وهي ظاهرة موجود بكثرة في مصر وقد نادى بها البعض في تونس بعد الثورة كما ندد بها اغلبة التونسيين باعتباره فعلا ينال من كرامة المرأة ويسبب اهانة لها.
4- جريمة اعتياد سوء المعاملة
توسع المشرع التونسي في تجريم سوء المعاملة حيث اقتصر التجريم بالفصل 224 قديم من المجلة الجزائية على تجريم اعتياد سوء معاملة الاطفال وغيره من القاصرين الموضوعين تحت ولايته أو رقابته وذلك بان اضاف بمقتضى القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة (فقرة ثانية) للفصل 224 وجرم فيها اعتياد سوء معاملة القرين أو شخص في حالة استضعاف ظاهرة أو معلومة من الفاعل أو كانت له سلطة على الضحية وجعل منها جنحة اعتياد سوء المعاملة مستوجبة لنفس العقاب المقرر لجريمة اعتياد سوء معاملة الاطفال وغيره من القاصرين الموضوعين تحت ولايته أو رقابته. وتصبح هذه الجريمة جناية إذا ما نتج عن اعتياد سوء المعاملة سقوط بدني تجاوزت نسبته العشرون في المائة أو إذا حصل الفعل باستعمال سلاح أو إذا نتج عن ذلك موت. وما يمكن ملاحظته أن هذا النص جاء ليحمي كل من كان في حالة استضعاف وهي حالة الهشاشة المرتبطة بصغر أو تقدم السن أو المرض الخطير أو الحمل أو القصور الذهني أو البدني التي تضعف قدرة الضحية على التصدي للمعتدي كما جاء لحماية القرين سواء كان الزوج أو الزوجة فهو إذا نص يستفيد منه الكافة على حد السواء ولم يأتي لحماية المرأة الضحية فحسب.
5- الاعتداء المكرر
توسع المشرّع التونسي في تجريم الاعتداء المكررعلى القرين أو على احد المفارقين أو أحد الخطيبين أو الخطيبتين السابقين وذلك بإضافة الفصل 224 مكرّر للمجلة الجزائية. والاعتداء المكرر الموجب للمساءلة الجزائية حسب هذا الفصل يتمثل في الاعتداء بالقول أو الاشارة أو بالأفعال والتي من شأنها أن تنال من كرامة الضحية أو اعتبارها أو يؤثر على سلامتها النفسية والجسدية وجعل منها جنحة. وما يمكن ملاحظته بخصوص هذه الجريمة انها لم تأتي لحماية الضحية فقط أي المرأة أو اطفالها المقيمون معها فحسب بل جاءت لحماية اشخاص اخرين غير مشمولين بالحماية بالقانون الجديد المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة فشمل القرين أي الزوج كما شمل الخطيب أو الخطيب السابق فهي افعال مجرمة يستفيد منها الرجل والمرأة على حد السواء.
وتجدر الاشارة الى انه عندما عرض مشروع القانون الاساسي للقضاء على العنف ضد المرأة على لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية [نظرت اللجنة في الفصل 224 مكرر تجرم الاعتداء على القرين وارتأى البعض أن هذا الفصل يحفظ كرامة المرأة وقيمتها الانسانية وقد تعرض الاعضاء إلى سبل اثبات الاعتداء أو العنف اللفظي أو النفسي المتكرر. وقد أكد البعض أن الضحية هي المطالبة بالإثبات عن طريق شهود أو تسجيل ..... معتبرين الاستظهار بالشهادة الطبية غير كاف لذلك، وبالتالي من الضروري حسب تعبير البعض تحديد طريقة الاثبات. في حين رأى البعض الأخر أنها من اختصاص القضاء بالإضافة إلى أن مجلة الإجراءات الجزائية تنص على وسائل الاثبات ولا يمكن افراد جريمة معينة بطريقة اثبات خاصة بها. كما أشار أحد الأعضاء إلى أن استعمال عبارة "المتكرر" ليس بالضروري ومن المتجه حذفها، في حين أكد البعض الآخر على أهمية هذا المصطلح كي لا يصبح العنف منهجا وأسلوب معاملة بين الزوجين باعتبار أن مثل هذه الممارسات لها تأثير سلبي على الصحة النفسية للمرأة. كذلك تم تقديم مقترح تجريم الاغتصاب الزوجي باعتبار ضرورة بناء العالقات الزوجية على الرضا. ودار النقاش حول العنف الاقتصادي الذي ينجر عنه العنف الزوجي، كما تم تثمين ما أتت به مقتضيات الفصل من تجريم للعنف المعنوي من خلال الاعتداء النفسي. وتذكيرا بحوادث شنيعة أطنبت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي في تداولتها، تم اقتراح التوسيع في مجال انطباقه ليشمل القرين السابق والخطيب والخطيب السابق. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة استحسنت التوسع في تعريف الرابطة اإلجتماعية، وعليه ناقشت مقترح ادراج العالقات الحميمة في صور التشديد وقد سحب باعتبار أن القانون التونسي لم يتطرق إلى هذا النوع من العلاقات وما يجره من النقاش حول عدم شرعية العلاقة الحميمية. وفي السياق ذاته، أيدت اللجنة الإضافة التي أدخلتها الفقرة الثانية جديدة من الفصل 224 بتجريم اعتياد سوء معاملة القرين أو شخص في حالة استضعاف][18].
ب)تجريم ذو الصلة بحماية الاطفال
ومن بين هذه الجرائم نجد سفاح القربى( اولا) تجريم تشغيل الاطفال كعملة منازل (ثانيا).
اولا) سفاح القربى
جرم المشرّع التونسي بمقتضى القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة بفصله 227 جديد سفاح القربى والمعبر عنه باللغة الفرنسية enfant inceste sur un وهي عبارة جديدة لم يستعملها المشرّع من قبل في القانون الجزائي الوطني ويعبر عنها في بعض الدول في المشرق بزناء المحارم. وسفاح القربى هو اغتصاب الطفل من قبل؛
- الأصول وإن علوا،
- الإخوة والأخوات،
- ابن أحد إخوته أو أخواته أو مع أحد فروعه،
- والد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب أو فروع الزوج الآخر،
- أشخاص يكون أحدهم زوجا لأخ أو أخت.
- الأصول وإن علوا،
- الإخوة والأخوات،
- ابن أحد إخوته أو أخواته أو مع أحد فروعه،
- والد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب أو فروع الزوج الآخر،
- أشخاص يكون أحدهم زوجا لأخ أو أخت.
و يكون الاغتصاب من كل فعل يؤدي إلى إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته والوسيلة المستعملة ضد أنثى أو ذكر بدون رضاه. ويعتبر الرضا مفقودا اذا كان سن الضحية دون الـسادسة عشر عاما كاملة. يتبين بوضوح ان المشرع التونسي بمقتضى القانون الجديد قد احدث ثورة تشريعية على مستوى جريمة الاغتصاب ( سفاح القربى) بان جعل منها جناية مستوجبة للعقاب بقية العمر وذلك مبرر على خطورة هذه الجريمة على الطفل المعتدى عليه وما يخلفه ذلك في نفسيته خاصة و انها ارتكبت في حقه من قبل احد الجناة التي تربطه به علاقة دموية .
ويعود سبب تجريم هذه الافعال لكون هذه الظاهرة من الافعال انتشرت بشكل مفزع في تونس وقد ساهم الاعلام في نشر هذه الحالات التي مست الرأي العام و ان سكوت الضحية عن هذه الجريمة مرده الخوف من ردة فعل عائلته والمجتمع تجاهه.
ثانيا) جريمة تشغيل اطفال كعملة منازل
جرم المشرع بمقتضى الفصل 20 من القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة كل من يتعمد تشغيل الاطفال كعملة منازل بصفة مباشرة أو غير مباشرة والطفل حسب مجلّة حماية الطفل هو، كل إنسان عمره أقل من ثمانية عشر عاما، ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة.[19] وجعل منها جنحة يشترط فيها الركن القصدي وهو اتيان الجاني الفعل عن علم وروية بكون القانون يجرمها ومع ذلك فان الجاني يقدم على اتيانها. ولا يكفي لثبوت هذه الجريمة مجرد توفر الركن المادي بل لا بد من تحقق الركن المعنوي في جانب الجاني ويبقى الاثبات محمول على جهة الادعاء ويحكم القاضي حسب وجدانه الخالص وما يتوفر له من قرائن بالملف. وتجدر الإشارة الى أن محاولة اتيان هذه الجريمة مجرم حسب احكام الفصل 20 من هذا القانون.[20]
ج) تجريم الضغط والإكراه المسلط على الضحية للتنازل على حقوقها
أحدث المشرّع التونسي بمقتضى القانون الجديد بكل منطقة أمن وطني وحرس وطني في كل الولايات وحدة مختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة وتضم هذه الوحدة من بين اعضائها نساء وأوجب على اعوان هذه الوحدة المختصة حال توصلهم ببلاغ أو اشعار بحالة التلبس بجريمة عنف ضد المرأة التحول فورا على عين المكان لمباشرة الابحاث بعد إعلام وكيل الجمهوريّة. ومكنها من صلاحيات اخرى منها ما هو وجوبي ومنها ما هو اختياري.
بالنسبة للصلاحيات الوجوبية المحمولة على عاتق هذه الوحدة نجد؛
أولا)اعلام الضحية وجوبا بجميع حقوقها المنصوص عليها بالقانون الجديد بما في ذلك المطالبة بحقها في الحماية لقاضي الأسرة.
ثانيا) تتولى الوحدة المختصة كل ستة اشهر رفع تقرير حول محاضر العنف ضد المرأة المتعهد بها ومآله إلى سلطة الاشراف الادارية والقضائية والمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة.
بالنسبة للصلاحيات الاختيارية التي يمكن للوحدة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة القيام بها بعد اخذ إذن من وكيل الجمهوريّة وقبل صدور قرار الحماية اتخاذ احدى وسائل الحماية التالية:
أولا) نقل الضحية والأطفال المقيمين معها عند الضرورة الى اماكن امنة بالتنسيق مع الهياكل المختصة ومندوب حماية الطفولة.
ثانيا) ابعاد المظنون فيه من المسكن أو منعه من الاقتراب من الضحية أو التواجد قرب محل سكناها أو مقر عملها عند وجود خطر ملمّ على الضحية أو على أطفالها أو على أطفالها المقيمين معها.
وفي مقابل ذلك فقد جرم المشرّع كل ضغط على الضحية أو أي نوع من انواع الاكراه لحملها على التنازل على حقوقها أو لتغيير مضمون شكواها أو الرجوع فيها و تمارس هذه الافعال من كل عون تابع للوحدة المختصة وجعل منها جنحة راجعة بالنظر لحاكم الناحية.[21]
الفقرة الثانية: جرائم ذات الصلة بتدابير الحماية
لقد سعى المشرّع من خلال هذا القانون الى تمكين القضاء من اتخاذ وسائل وقرارات حماية لفائدة الضحيّة ولتكون هذه التدابير ناجعة فقد جرم عرقلة تدابير هذه الحماية قبل تنفيذها(أ) اضافة إلى تجريم خرق تدابير الحماية بعد تنفيذها(ب).
أ) تجريم عرقلة تدابير الحماية قبل تنفيذها
مكن المشرّع قاضي الأسرة من صلاحيات واسعة في اتخاذ قرار حماية لفائدة الضحية والأطفال المقيمين معها ومن بين هذه التدابير نجد؛
- منع المطلوب من الاتصال بالضحية أو الأطفال المقيمين معها في المسكن العائلي أو في مكان العمل أو في مكان الدراسة أو في مركز الإيواء أو في أي مكان يمكن أن يتواجدوا فيه.
- إلزام المطلوب بالخروج من المسكن العائلي في حالات الخطر الملم بالضحية أو بأطفالها المقيمين معها مع تمكين المطلوب من تسلم أغراضه الشخصية بموجب محضر يحرر في الغرض من طرف عدل تنفيذ على نفقته.
- إلزام المطلوب بالخروج من المسكن العائلي في حالات الخطر الملم بالضحية أو بأطفالها المقيمين معها مع تمكين المطلوب من تسلم أغراضه الشخصية بموجب محضر يحرر في الغرض من طرف عدل تنفيذ على نفقته.
-إلزام المطلوب بعدم الإضرار بالممتلكات الخاصة بالضحية أو الأطفال المشمولين بقرار الحماية أو الأموال المشتركة أو التصرف فيها.
- تحديد سكنى الضحية والأطفال المقيمين معها وعند الاقتضاء إلزام المطلوب بأداء منحة السكن ما لم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر أو صدور حكم في الغرض.
- تمكين الضحية عند مغادرة المسكن العائلي شخصيا أو من تفوضه من استلام أغراضها الشخصية وكل مستلزمات الأطفال المقيمين معها بموجب محضر يحرر في الغرض من طرف عدل تنفيذ على نفقة المطلوب.
- إسقاط الحضانة أو الولاية عن المطلوب وتحديد إجراءات الزيارة مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.
-تقدير نفقة الزوجة ضحية العنف والأطفال وعند الاقتضاء مساهمة كل من الزوجين فيها ما لم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر في النفقة أو صدور حكم فيها.
هذا وأوجب المشرّع على قاضي الاسرة Le juge de la famille ان ينصص في قرار الحماية على مدته التي لا يمكن ان تتجاوز في كل الحالات ستة اشهر[22]. ولتحقيق النجاعة المطلوبة لقرار الحماية المتخذ من قبل قاضي الاسرة فقد تم تجريم ومعاقبة كل من يتصدى أو يحول دون تنفيذ قرارات ووسائل الحماية وجعل منها جنحة و رتب على محاولة اتيان تلك الافعال عقاب.
ب) تجريم خرق تدابير الحماية بعد تنفيذها
اعطى المشرع صلاحية تنفيذ قرارات الحماية و قرارات التمديد فيها للنيابة العمومية [23] و لضمان قرارات الحماية جرم كل خرق لقرارات ووسائل الحماية بعد تنفيذها وجعل منها جنحة واشترط فيها تحقق القصد الاجرامي في في جانب الجاني كما انه جرم محاولة خرق هذه القرارات ورتب عليها عقاب.[24]
لم يكتفي المشرّع بتوسيع نظام التجريم في مواجهة العنف المسلط على الضحية فقد عاضده بنظام مؤاخذة مشدد في مواجهة العنف المسلط عليه.
الجزء الثاني: نظام مؤاخذة مشدد في مواجهة العنف المسلط على الضحية
لقد انتهج المشرّع بمقتضى القانون الجديد المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة سياسة عقابية مشددة لم تكن موجدة من قبل في القانون الجزائي التونسي مبناها مركز الضحية وصفة الجاني(الفصل الاول ) و هدفها ضمان عدم جواز افلات الجناة من العقاب (الفصل الثاني).
[1] - تقرير لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية حول مشروع القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة .60/2016.
[3] -Voir Mostapha Mansour, « Les droits de la victime d'une infraction pénale : étude du droit marocain et aperçus de droits autres », Thèse de doctorat en Droit,
Soutenue en 2009.
[7] - للتعمق اكثر في مفهوم العقوبة انظر - قيس دالي، " العقوبة في جرائم الاستيلاء على الأموال العمومية"، مقال منشور بمجلة القضاء والتشريع شهر أكتوبر 2014 ص 44.
[8]-انظر محمود محمد مصطفى، "شرح قانون العقوبات"، الطبعة الاولى،1977-1978 ص433، وانظر كذلك أحمد فتحي سرور،أصول السياسة الجزائية،1972،ص176.
[9]-والعقوبة حسب قانون العقوبات الاشتراكي هي وسيلة الدولة الاجبارية التي يوقعها القضاء وحده على الاشخاص المذنبين في إرتكاب الجريمة. وهي ليست مجرد عقاب على الجريمة المرتكبة، بل تهدف ايضا الى إصلاح وتربية المحكوم عليهم بروح الموقف الشريف للقوانين وبروح الاحترام لقواعد الحياة الاشتراكية وكذلك التحذير من ارتكاب جرائم جديدة سواء من جانب المحكوم عليهم أو غيرهم. انظر زاغورود نيكوف، سموليا-تشوك، بروفيكوف، "نبذة موجزة عن قانون العمل والقانونين المدني والجزائي"، دار التقادم 1974،ص25.
[10]- علي حسين خلف و سلطان عبد القادر الشاوي،" المبادئ العامة في قانون العقوبات"،المكتبة القانونية – بغداد بدون سنة نشر ص،406.
[11]- ينص الفصل 21 من دستور 26جانفي2014 فقرة أولى على أنّ:"المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". وقد كان الفصل السادس من دستور 59 ينص على أنّ:" اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎوون ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮق واﻟﻮاﺟﺒﺎت وهﻢ ﺳﻮاء أﻣﺎم اﻟﻘﺎﻧﻮن."
[12]- على حسين خلف و سلطان عبد القادر الشاوي،" المبادئ العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق ص،406.
[13]- ينص الفصل 28 من الدستور التونسي الجديد :" العقوبة شخصية، ولا تكون إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع، عدى حالة النصّ الارفق بالمتهم." هذا وقد كان الفصل 13 من دستور 59 ينص على أنّ :"العقوبة شخصية ولا تكون إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع عدا حالة النصّ الارفق".
[14 - تقرير لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية حول مشروع القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة( 2016/60).
[15] - نص الفصل 15 القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ـ على انه: " تلغى أحكام الفصول 208 و226 ثالثا و227 و227 مكرر و229 والفقرة الثانية من الفصل 218 والفقرة الثالثة من الفصل 219 والفقرة الثانية من الفصل 222 والفقرة الثانية من الفصل 228 من المجلة الجزائية. ونص الفصل 42 ـ من ذات القانون على انه:" تلغى أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 218 والفصول 226 رابعا و228 مكرر و229 و239 والفقرة الثانية من الفصل 319 من المجلة الجزائيّة
[17] - تجدر الاشارة الى انه عندما عرض مشروع القانون الاساسي على لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية تم اقتراح الابقاءعلى التعريف التحرش الجنسي المضمن بالنص الحالي مع اضافة " وتعتبر تحرشا جنسيا الأفعال أو الاشارات أو الأقوال ذات الطبيعة الجنسية ولو بدون تكرار". كذلك تم اقتراح الابقاء على الفصل 226 رابعا الذي يتعلق بالتتبعات في جريمة التحرش الجنسي، في حين ارتأى الفصل 41 من الأحكام الختامية للمشروع إلغاءه. صادقت اللجنة على حذف باعتبار أن أحكامه مستوعبة بالأحكام الجديدة لهذه الجريمة المصادق عليها في المشروع. وقد أكدت على مسائل عدة تعلقت خاصة بالعنف الاقتصادي والتشغيل في قطاعات النسيج والفالحة والحضائر دون عقود، وحوادث الشغل، وارتفاع ساعات العمل والتأجير الضعيف، في إشارة إلى انتشار التحرش الجنسي في هذه القطاعات والحاجة للتغيير الجذري في الانماط الإجتماعية.
[18] - تقرير لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية حول مشروع القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة .60/2016.ص45.
-[20] - ينص الفصل 20 ـ من القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة على انه :" يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وبخطية من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمد تشغيل الأطفال كعملة منازل بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
يسلط نفس العقاب المذكور بالفقرة المتقدمة على كل من يتوسط لتشغيل الأطفال كعملة منازل.
وتضاعف العقوبة في صورة العود.
والمحاولة موجبة للعقاب.
يسلط نفس العقاب المذكور بالفقرة المتقدمة على كل من يتوسط لتشغيل الأطفال كعملة منازل.
وتضاعف العقوبة في صورة العود.
والمحاولة موجبة للعقاب.
[21]- Art. 25 - Aussitôt avisés d’un cas de flagrant délit de violence à l’égard des femmes, les agents de l’unité spécialisée doivent se déplacer sans délai sur le lieu pour procéder aux enquêtes et ce après avoir informé le procureur de la République.
-Est puni d’un à six (6) mois d’emprisonnement, l’agent relevant de l’unité spécialisée d’enquête sur les infractions de violence à l’égard des femmes, qui exerce volontairement une pression, ou tout type de contrainte, sur la victime en vue de l’amener à renoncer à ses droits, à modifier sa déposition ou à se rétracter.
[23] Art. 36 « - Le ministère public exécute les ordonnances de protection et celles de leur prorogation. », Loi organique n° 2017-58 du 11 août 2017, relative à l’élimination de la violence à l’égard des femmes.
[24] - Art. 38 - Est puni d’un an d’emprisonnement et d’une amende de cinq mille dinars quiconque, viole volontairement les ordonnances et moyens de protection après leur exécution. La tentative est punissable.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire